الفهرس | Only 14 pages are availabe for public view |
Abstract على مر العصور و نحن نرى كيف يقوم الإستعمار بنحت تاريخ الأمم التي يستعمرها و تشكيل عاداتها و هويتها. فالإستعمار يحاول دوماً طمس هوية الشعوب المستعمرة و تبديلها بثقافته و فرض هويته عليهم حتى يتمكن من السيطرة على هذه الشعوب و يقوم بإيهامهم بأنه الأقوى و الأكثر حضارة و تقدماً، بل و إيهامهم بأنهم شعوب ضعيفة بدائية لا يستطيعون حتى مساعدة أنفسهم. و على الرغم من أن الكثير من تلك الشعوب حصلوا على الإستقلال إلا أن عقولهم و ثقافتهم و ثرواتهم مازالت محتلة. فمن ناحية نرى أن من بين تلك الشعوب من أصر على الإحتفاظ بهويته و ثقافته و رفض التنازل عنها، نجد أيضاً من ناحية أخرى من تنازل عنها من أجل ما يراه الحداثة التي جاء بها الإستعمار. ففي نظر هؤلاء نجد أن الحداثة الإستعمارية هي تمثيل مظاهر الحياة العصرية الحضارية و ارتفاع مستوى المعيشة للأفضل كما هي زيادة فرص العمل و دخول الكهرباء للبيوت و المياة النظيفة، إلخ. فلا يرى بأن هذه الحداثة الوافدة من أوروبا ليست إلا وجه آخر للإستعمار، و طمس لهويته. فالمستعمر لا يقوم باستغلال الشعوب فقط، بل يتركها تعاني العنف و الانقسام و القهر، من أجل أن يستغل البيئة و الموارد الطبيعية و البشرية المملوكة لهذه الشعوب، كما يحدث في حالات قطع الأشجار في الغابات و إقامة المصانع الملوثة للبيئة و الصيد الجائر في البر و البحر، ما أدى لحدوث كوارث بيئية قد تهدد حياة البشر في فترة ما بعد الإستعمار. كثير من المقالات تنادي و تطالب بدمج فترة ما بعد الإستعمار مع النقد البيئي كي نعرف تاريخ هذا الإستعمار و ما فعله من جرائم و عنف و قهر ضد هذه الشعوب و بيئاتها، فالنقد البيئي هو دراسة البيئة في الأدب. حيث جاءت دراسة النقد البيئي كرد فعل مضاد للثورة الصناعية و الرأسمالية و التلوث. فمع تقدم العلم و المعرفة و التكنولوجيا أصبح الرأسماليون و الإمبرياليون يستخدمون البيئة كوسيلة لفرض القوة. فطمع البشر للتملك و السيطرة يعتبر من الأسباب الرئيسية للمشاكل البيئية، كما يعتبر تدمير تاريخ المكان و طبيعته في البلاد المحتلة و طمس هوية شعوبها و استبدالها بالحداثة الأوروبية نوع من أنواع الجرائم تجاه الطبيعة. لهذا سوف يقوم البحث بتحليل و مقارنة ثلاثة أعمال أدبية من مدرك النقد الأدبي البيئي فيما بعد الإستعمار لمعرفة كيف أثرت الحداثة الإستعمارية على العلاقة بين الإنسان و الطبيعة خلال فترة ما بعد الإستعمار. و بالمقارنة بين الأعمال الثلاثة و هي ”قلب الإحمرار” لزاكس مدا، ”إله الأشياء الصغيرة” لأروندهاتي روي و ”زمار الرمل” لأهداف سويف، يتبين أنهم يتشاطرون الإهتمام بنقاط محورية، حيث يتناولون أهمية آداب الهوية و المكان و أهمية الحفاظ عليها، كما يبين هذا البحث من الذي اختار أن يتخلى عن هويته و تاريخه من أجل الحداثة التي لها أثر سيء على الطبيعة، و من الذي فضل مقاومتها من أجل الحفاظ على تاريخه و هويته ليضع بذلك توازناً في البيئة المحيطة. و عليه، فليس من الضروري أن تحصل الشعوب المستعمرة على الإستقلال كي تصبح حرة، بل تصبح حرة باستقلال العقول التي عاشت فترات الإستعمار و التي نجح فيها المستعمر في زرع ثقافته و هويته بها و طمس تاريخ و هوية بعض الشعوب و قطع جذورها حتى ينجح في مخططه الذي يستهدف استمرار إستغلالهم و استغلال ثرواتهم الطبيعية و أراضيهم و مواردهم لصالحه و الذي حتماً يؤدي إلى حدوث الكارثة البيئية، كما يستمر في إقناعهم بأنهم الأضعف و بأنهم لا يستطيعون العيش بدونه و هو القوي المثقف المتحضرو العاقل المتقدم، بينما تكون حريتهم في الحقيقة هي الحفاظ على الجذور و الهوية من الضياع، و عند النظر عن كثب، نجد أن هذا المحتل لا يستطيع التخلي عن هذه الشعوب التي يسمونها الآخرون، فهي في الواقع المصدر الذي يتغذى عليه ليبقى و يقيم إمبراطوريته. |