الفهرس | يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام |
المستخلص عاش العلامة بديع الزمان في فترة عرفت سقوط الخلافة العثمانية الإسلامية، وما تلا هذا السقوط من موجات إلحاد عاتية وإرادة الهيمنة الغربية، وهي الهيمنة التي طالت الأرض لامتصاص خيراتها، كما طالت الإيمان لإسقاطه من القلوب وملئها بالشبهات والضلالات. وكانت الصبغة القرآنية أهم خاصية تميز بها الفكر النوري جملة، بحيث لا تكاد تجد رسالة من رسائله، ولا حدثا في حياته الدعوية، إلا وهي قرآنية المعنى، في كل تجلياتها، من بدايتها إلى نهايتها. ولم تكن رسائل النور في نهاية أمرها غير فيض من حقائق القرآن، كما عبر النورسي: ”إن أكثر أحداث حياتي، قد جرت خارجة عن طوق اقتداري، وشعوري، وتدبيري؛ إذ أعطي لها سير معين ، ووجهت وجهة غريبة؛ لتنتج هذه الأنواع من الرسائل التي تخدم القرآن الحكيم. بل كأن حياتي العلمية جميعها بمثابة مقدمات تمهيدية؛ لبيان إعجاز القرآن بالكلمات”. لقد جعل النورسى القرآن، بل الرسالة الإسلامية بعمومها مرتبطة بالكون، فأول الناطقين باسم الكون، وأولى المتحدثين الصادقين باسم الكائنات هو هذا القرآن الحكيم، بل هذه الشريعة العالمية المعصومة بكمالها وشمولها، كذلك، فإن أول الممثلين لحقائق هذا الكون وظواهره هي نصوص الوحى، وليست العلوم، بل العلوم تابعة لنور تلك النصوص في توافق مستمر، وانسجام كامل . لكن هذا لا يعنى في نظر النورسي أن الكتابين متساويان في القيمة والأهمية، بل هناك هيمنة واضحة للكتاب الخالد المسطور، وهو القرآن الكريم، على كتاب الكون المنظور، من هذه الناحية، لذا، فمن البديع أن يبيّن النورسى أن في القرآن عينًا باصرة نافذة بحيث ترى جميع الوجود وتحيط به، وتضع جميع الموجودات أمامه كأنها صحائف كتاب؛ فيوضح طبقاتها وعوالمها، ”فكما إذا استلم الساعاتي ساعة صغيرة بيده يقلبها، ويعرّفها ويفتحها، كذلك الكون بين يدى القرآن الكريم بعرّفه ويبين أجزاءه. |