الفهرس | يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام |
المستخلص لرثاء فن شعري يلتقي في كثير مع فن المدح, أليس هو تعدادًا لفضائل المتوفي ومآثره , ومن ثم فإننا نتوقع أن يكون مدار الرثاء على المعاني التي تبرز في الوقت نفسه في قصيدة المدح ” ويعد الرثاء شعبة من المديح فيما يقرره قدامه بن جعفر في قوله ” ليس بين المرثية والمَدْحَةِ فَصْلٌ إلَّا أن يذكر في اللفظ ما يدل على أنه لهالك مثل ” كان, تولى, وقضى نحبه, وما أشبه ذلك.... ” إن هذا الحكم الذي ارتآه لا ينبغي أن نأخذه على إطلاقه, ومعلوم أن جُلَّ المعاني التي يُمدحُ بها الشخص يُحْتمل أن يُرثَى بها بعد مماته. وليس من شك أن المجال النفسي, وطرائق الصياغة والدوافع تختلف من غرض إلى آخر. ولعل ما ارتآه قدامة بن جعفر ما هو إلا أثر من آثار تحكيم القواعد الفلسفية على معاني الشعر العربي, والقول بأن هناك تفاوتًا بين المديح والرثاء وأن هذا التفاوت لا يكون إلا في الصياغة فحسب فيعد ذلك وهمًا وضلالًا كبيرًا وتبسيطًا للأمور أكثر مما ينبغي ” فللمديح بواعثٌ تَقُودُه, وللرثاءِ بواعثٌ تقوده, وهذه غير تلك ؛ بل للرثاء نفسه بواعث مختلفة تتفاوت حرارة وفتورًا وإخلاصًا وملقًا وصدقًا وكذبًا, ولو صح ما يقوله قدامة لنضب الشعر في جيل واحد , ولاستحال نظمًا, ولو صحَّ لخاض الشعراء جميعًا في كل الأغراض, ولما كان من تعليل ممكن لأن يجيد شاعر كالفرزدق المديح, ويتخلف تخلفًا زريًا في الرثاء. |