الفهرس | يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام |
المستخلص في الحقيقة إنَّ حجمَ تقدُّم الشعوب والحضارات ورقيّها مرهونٌ بقدرتها على حماية الحقوق والحريات لمُواطنيها، ولكنَّ هذا الأمرَ لا يعني التغافُلَ عن حماية أمن المُجتمع؛ لأنَّ هذه الحرياتِ والحقوق وإنْ كانت مُطلقةً دون حسيبٍ أو رقيبٍ فإنها ستكون بمنزلة مفسدةٍ مُطلقة، فحريَّة الإنسان وحقوقه تنتهي عندما تبدأُ حريَّة الآخرين؛ لذلك حاولت التشريعاتُ المُختلفةُ المُوازنةَ بين حقوق المُجتمع وحقوق الأفراد فيه، فعملت على وضع القوانينِ التي تسعى لحماية الأمن والسلم المُجتمعي، ومن جهةٍ أخرى حماية الحقوق والحريات الفرديَّة والجماعيَّة لا سيَّما في مرحلة التحقيق الابتدائي، فالأصلُ بالإنسان البراءة حتى تثبتَ إدانتُه بحكمٍ قطعيٍّ، ولكنَّ كشف الجريمة يقتضي تجاوز بعض الحقوق بصورةٍ مُؤقَّتة في نطاقٍ ضَيِّقٍ بهدف كشف الجريمة أو إثباتها. وإنْ كان من المُمكن لسُلطة التحقيق أنْ تتجاوزَ بعض الحقوق في سبيل كشف الجريمة؛ إلاَّ أنَّ إطلاق ذلك دون قيودٍ أو رادعٍ يؤدِّي لتفشِّي الظلم بين الأشخاص وانعدام الثقة بينهم وبين السُّلطات العامَّة، وتدهوُر حالة حقوق الإنسان، فالسُّلطات الممنوحةُ لجهة التحقيق قد شُرعت من أجل الحفاظ على حقوق الإنسان وحرياته الأساسيَّة، وليس من أجل التعسُّف والقيام باستخدام تلك الصلاحيات من أجل التضييق على الأفراد، فيجب أنْ يكونَ ذلك بالقدر اللازم لكشف الحقيقة، وإظهار المُجرمين ومُعاقبتهم على ما ارتكبوا من أفعال. |