الفهرس | يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام |
المستخلص إن المتتبع للفكر الصوفي والكلامي الإسلامي، يجد أن العلاقة بين علماء الكلام والمتصوفة، وعلماء الاصول والفقه والمتصوفة من ناحية أخرى، علاقة غير حميدة في غالب الوقات.فلقد وقعت بين كافة الأطراف صراعات عنيفة وصلت إلى حد التكفير للصوفية من جانب المتكلمين والفقهاء، ولعل ذلك بسبب ما تغلغل في التصوف من أفكار منحرفة تتعارض مع روح النص الديني، من أمثال الحلول والاتحاد ووحدة الوجود والتناسخ والإباحية وغيرها.هذه الحقيقة أدركها الصوفية قبل المتكلمين والفقهاء، ولذا نجد أنه قامت عدة محاولات صوفية متأخرة بعمليات إصلاحية، يضبط فيها التصوف بالفقه، في محاولة لتنقيته من المؤثرات الفاسدة التي دخلت إلى التصوف وخاصة من جانب التشيع الغالي، الذي قال بحلول الله في أئمته، وعمد إلى التحلل من الشرئع.وكانت من هذه المحاولات الإصلاحية التجديدية محاولة الإمام السرهندي، ذلك المفكر المسلم الهندي الذي كانت تنتشر في بلاده هذه الأفكار وتتغلغل إلى حد أن عمل بعض المنتمين إلى التصوف بالسحر والشعبذة وإدعاء معرفة الغيب والقول بالحلول والاتحاد ووحدة الوجود والتناسخ والإباحية، فجاء فكر الرجل كمحاولة إصلاحية تهدف إلى ضبط التصوف بالفقه من ناحية، وفض التنازع بين الفقهاء والمتكلمين والمنتمين إلى التصوف من ناحية أخرى، وذلك برد الجميع إلى نصوص الشرع الحنيف.فاصطنع الرجل لنفسه منهجاً وسطا يحدد مصادر المعرفة الإسلامية، ويحدد لكل مصدر وظيفته التي تتفق مع قدراته وطوره، بهدف فض النزاع بين وظيفة الحس والعقل والقلب، وذلك أن الصراع بين المتكلمين والفقهاء والصوفية إنما كان يكمن في الخلط بين وظيفة العقل ووظيفة القلب، فالصوفية لا يعولون إلا على القلب والقلب وحده، بينما يعول المتكلمون على العقل إلى جانب النص. وبهذا المنهج الوسط سعى الإمام السرهندي إلى ثنائيات التنازع بين المتكلمين والصوفية يوحد بينها، فيوحد الظاهر والباطن، وبين الطريقة والحقيقة، وبين المعرفة والعلم، وبالتالي يوحد بين ما للمتكلمين من ظاهر وعلم، وبين ما للصوفية من باطن وطريقة ومعرفة.وبهذا المنهج الوسطي سعى الإمام السرهندي إلى موضوعات العقيدة الإسلامية ليعالجها معالجة يجمع فيها بين إلهام الصوفية وكشفهم وبين عقل المتكلمين، انطلاقا من نصوص الشرع التي هي محور عمل الفقهاء.فتناول من خلال هذه النظرة الوسطية موضوعات (الله تعالى ذاته وصفاته، ورؤيته تعالى، والعالم من حيث القدم والحدوث، وحل الإشكالية بين مسألة النبوة والولاية، والتفاضل بين الأنبياء والأولياء، والأنبياء بعضهم وبعض، والأنبياء والملائكة) |